حليمه السعديه
قالت حليمة السعدية :
ـ خرجت من منزلنا أنا وزوجي وابن لنا صغير نلتمس الرضعاء (نبحث عن المولودين الجدد) في مكة ، وكان معنا نسوة من قومي بنى_سعد قد خرجن لمثل ما خرجت إليه .
ـ وكان ذلك في سنة قاحلة مجدبة (لا مطر فيها ولا نبات) ... أيبست الزرع ... وأهلكت الضرع قلم تُبق لنا شيئا ...
ـ وكان معنا دابتان عجفاوان (العجف: الهزال والضعف) مسنتان لا ترشحان (لا تقطر ضروعها بقطرة لبن) بقطرة من لبن، فركبت أنا وغلامي الصغير إحداهما ، أما زوجي فركب الأخرى ، وكانت ناقته أكبر سنا وأشد هزالا...
ـ وكنا ـ والله ـ ما ننام لحظة في ليلنا كله لشدة بكاء طفلنا من الجوع ، إذ لم يكن في ثديي ما يغنيه ... ولم يكن في ضرعي ناقتنا ما يغذيه ... ولقد أبطأنا بالركب بسبب هزال أتاننا (الأتان: أنثى الحمار) وضعفها فضجر رفاقنا منا ... وشق عليهم السفر بسببنا...
ـ فلما بلغنا مكة وبحثنا عن الرضعاء وقعت في أمر لم يكن بالحسبان ... ذلك أنه لم تبق امرأة إلا وعُرض عليها الغلام الصغير (محمد بن عبد الله) فكنا نأباه (نرفضه) لأنه يتيم ، وكنا نقول : ما عسى أن تنفعنا أم صبي لا أب له ؟ ! وما عسى أن يصنع لنا جدة ؟ !...
ـ ثم إنه لم يمض علينا غير يومين اثنين حتى ظفرت كل امرأة معنا بواحد من الرضعاء ... أما أنا فلم أظفر بأحد ... فلما أزمعنا الرحيل قلت لزوجي : إني لأكره أن أرجع إلى منازلنا وألقى بني قومنا خاوية الوفاض دون أن أخذ رضيعا ، فليس في صويحباتي امرأة إلا ومعها رضيع . والله لأذهبن إلى ذلك اليتيم ، ولآخذنه ...
ـ فقال لي زوجي : لا بأس عليك ، خذيه فعسى أن يجعل الله فيه خيرا فذهبت إلى أمه وأخذته .. ووالله ما حملني على أخذه إلا أني لم أجد غلاما سواه، فلما رجعت به إلى رحلي وضعته في حجري ، وألقمته ثديي ، فدر عليه من اللبن (أصبح غزيرا) ما شاء الله أن يدر بعد أن كان خاويا خاليا ثم شرب أخوه حتى روي أيضا ، ثم ناما ...
ـ فاضجعت أنا وزوجي إلى جانبهما لننام بعد أن كنا لا نحظى بالنوم إلا غرارا (قليلا) بسبب صبينا الصغير . ثم حانت من زوجي إلتفاته إلى ناقتنا المسنة العجفاء ... فإذا ضرعاها حافلان ممتلئان . فقام إليها دهشا ، وهو لا يصدق عينيه وحلب منها وشرب . ثم حلب لي فشربت معه حتى امتلانا ريا وشبعا، وبتنا في خير ليلة.
ـ فلما أصبحنا قال لي زوجي : أتدرين يا (حليمة) أنك قد ظفرت بطفل مبارك ؟ ! . فقلت له : إنه لكذلك وإني لأرجو منه خيرا كثيرا .
صلى الله على محمد ﷺ